عماد ابوشامة يكتب : قطْع خدمة النت.. الأزمة الحقيقية!

القوس اونلاين
اعتباراً من اليوم السبت ولمدة خمسة عشر يوماً سيتم قطع خدمة الانترنت في السودان من الثامنة صباحاً وحتى الحادية عشرة صباحاً يومياً.
لماذا هذه الخطوة هل هناك ثورة جديدة وحكومة مهددة بالسقوط؟!.
نعم هناك تصعيد ثوري وحكومة مهدَّدة بالسقوط بل وواجبة السقوط قبل أن (تسقِّط) حجر الشعب السوداني ولكن ليس هذا هو السبب..
السبب أن امتحانات الشهادة السودانية ستبدأ اليوم..
وما العلاقة؟؟؟!
العلاقة أن هناك عملاً جماعياً منظماً يستفيد من خدمة الانترنت ويُحدِث أكبر عملية تلاعب وغش في امتحانات الشهادة المرحلة الأهم في رحلة التحصيل الدراسي في السودان.
كيف؟
يحمل الطالب الممتحن معه وهو داخل إلى غرفة الامتحان جهاز موبايل وبمجرد ما تسلَّم ورقة الامتحان يُخرِج من جيبه جهاز موبايل ذكي طوله 15 سم وعرضه خمسة سنتمرات على الأقل فيصور ورقة الامتحانات بكل صفحاتها ويرسلها في قروب واتساب يستلمها أساتذة في الخارج ويقومون بحل كل أسئلة الامتحان وإرسالها من جديد في ذات القروب الذي يضم مئات الطلاب فيقومون بنقل تلك الإجابات إلى أوراق أسئلتهم، ثم يضع هاتفه في جيبه ويسلِّم ورقة الامتحان للمراقب ويغادر الغرفة وهو في قمة النشوة والشعور بالانتصار.
وأين المراقبون والمشرفون على الامتحانات والكنترول وغيره؟!
موجودون.. وبعضهم شريك أصيل في هذه العملية القذرة ويظن أنه قام بدور عظيم لخدمة طلابه الذين تعبوا معه في المدرسة الخاصة طوال عام كامل فلابد أن يحصدوا ويحصد أهلهم تعبهم بنجاح باهر ودخول إلى كليات كبيرة تضمن لهم مستقبلهم العملي بسهولة..!
تضمن مستقبلهم و(تسقِّط) حجر مستقبل البلاد وتجعلها تئِنُّ تحت وطأة الجهل والتخلُّف والفقر إلى الأبد.
هذا هو الذي يحدث بكل أسف.. أزمة واحدة متمثلة في غياب ضمير عدد كبير من المعلمين وأوجدت لنا مجموعة من الأزمات تبدأ من طالب لا استعداد له للاجتهاد والمذاكرة لتمر بأطباء ومهندسين فشلة وتنتهي عند وزراء ورئيس دولة طموحهم هو أن يجلسوا على كرسي السيادة ولا يجب أن يسأله أحد عن أي إنجاز أو تخطيط لمستقبل هذا البلد لأنه ببساطة (ما عندو لينا حاجة) فيكفيه إنجازاً أن وصل لهذا المكان وشرَّف أهله وربْعه وسار في الطرقات بسرينة خلفه واخرى أمامه وجعل الناس محبوسة في الطرقات والكباري حتى يمر هو أولاً..!
النتائج كالآتي: أطباء في الغالب يزيدون المرض ولا يعالجون فترتفع مع كل صباح فاتورة العلاج بالخارج ويسافر مريض إلى مصر أو الأردن أو الهند أو ألمانيا ميؤساً من حالته بحسب تقدير طبيب سوداني مهمل ويعود بعد أيام معدودة وقد كتب له (عمر جديد).. فالتحاليل والفحوصات هنا لا علاقة لها بمكان المرض أصلاً لذلك يكثر الموت المجاني للذين لا قدرة لهم على السفر إلى الخارج..!
مهندس طرق.. تصرف الدولة ملايين الدولارات لإنشاء بنية أساسية فيتحول الطريق الذي أشرف عليه ذاك المهندس بعد شهور كأنه مجارٍ في تلال رملية أو – شوية أسفلت في حفر كبيرة..!
وعلى ذلك قس.. حتى تصل إلى الذين يتولون المناصب القيادية في البلاد ويعجزون عن تقديم أي خطط استراتيجية تعالج أزمات البلاد وتكون الحلول عندهم على شاكلة اللجوء إلى جيب المواطن السوداني ورفع الدعم عن كل السلع الاستراتيجية لتتحول البلاد إلى (طاقة) من نار جهنهم لا قِبَل لأحدٍ بها.
باختصار القضية الآن وبوضوح هي قضية الضمير الإنساني في هذا البلد، الذي لا تتعدى مساحة تفكيره وأهدافه مصلحته الشخصية دون أن يفكر في بلاد يرجى منها أي رجاء لأبنائنا وأحفادنا مع أنها تتدفق بالخيرات التي لا تحتاج لأكثر من مواطن يعرف ويستهدف المصلحة العامة.
حسبنا الله ونعم الوكيل.
صحيفة المواكب العدد رقم 333 السبت 19 يونيو 2021م