د/ بهاءالدين ماهر يكتب : اترك الباب مفتوحاً لمن يعود

القوس اونلاين
العلاقات بين الناس لا تُقاس بعدد السنوات التي يقضونها معاً ، بل تتجاوز ذلك إلى أعماق أعمق ، فهي مزيج من اللحظات سواء كانت أخطاء أو تفاهمات ، وما يحدد قيمتها الحقيقية هو الأثر الذي يتركه الأشخاص في نفوسنا ، وما يتركونه خلفهم من مواقف لا تُنسى..
فالعلاقات العزيزة لا تقاس بعدد اللقاءات أو طول الزمن ، بل بجمال اللحظات والمواقف التي نشعر فيها بالصدق والاحترام المتبادل والتعامل الراقي..
فالتعامل الراقي يعكس روح المرء وسلوكه المهذب ، فمن يتبنى أسلوباً لبقاً ورفيع المستوى يُضفي شعوراً بالراحة لدى من يتواصل معه ، ويكسب بذلك احترامهم وتقديرهم..
ومن المهم أن نعي أنَّ التعامل الراقي لا يعني المثالية أو الكمال ، بل هو اختيار نابع من الأعماق ، فالروح النقية تنجذب للأخلاق الرفيعة ويختار صاحبها أن يكون عوناً لمن حوله ، ومن يترك أثراً جميلاً في نفوس الآخرين ، يجد أن قلوبهم تحتضنه وعقولهم تحترمه..
ومع ذلك نجد في بعض الأحيان أنَّ العلاقات تتعرض للاهتزازات بسبب سوء الفهم أو سوء الظن ، فقد تتلاشى أعمق العلاقات نتيجة لموقف بسيط أسيء تفسيره ، أو بسبب تصرف غير محسوب أثر على الطرف الآخر ، وفي مثل هذه الحالات قد يُظلم الأشخاص النقيون دون أن يكون لهم ذنب واضح ؛ حينها يحدث ما لا يتوقعه أحد ، فقد تنتهي العلاقة ويرحل الشخص دون أن يُعطى فرصة للتوضيح أو التصحيح..
وعلى الرغم من ذلك يجب ألا نغلق الباب بشكل نهائي ، فكما قيل: “دائماً اترك بينك وبين من يرحل باباً مفتوحاً يطرقه حين يعود”..
فالحياة مليئة بالتغيرات والمواقف التي قد تدفع الناس للعودة إلى علاقات ظنوا أنهم قد فقدوها ، وقد يكون العائد في هذه المرة أكثر صدقاً ، وقد تكون دوافعه أنقى وأصدق من قبل ، لذا من المهم أن نحتفظ ببعض المساحات للعودة والمصالحة ، ومن المهم أن ندرك أن الاعتذار والمسامحة هما دليل على القوة وليس الضعف ؛ فإبقاء الباب مفتوحاً لمن يعود ، ومد يد المصافحة ، يعكسان سمو الروح ورقي التعامل الإنساني..
فما أجمل قول سيدي الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضي اللّٰه عنه :
صَفْحًا إِذَا آبَ الْمُسِيءُ بِتَوبَةٍ
بَيْنَ الرِّجَالِ عُرِفْتُ بِالصَّفَحَاتِ