أ/ عثمان العاقب يكتب : بين العدالة والانتقام

القوس اونلاين

في كل مجتمع يمر بمحن وكوارث، تتجلى أخطر معضلة أخلاقية وإنسانية: هل نختار طريق العدالة أم ننزلق إلى مستنقع الانتقام؟ هذا السؤال لا يواجه المحامين وحدهم، بل يواجه كل صاحب سلطة، وكل مسؤول، وكل فرد تضرر من الظلم وعانى من بطش العدو.

عندما تتعرض الأوطان للدمار، ويعيش الناس تحت وطأة الجريمة والفوضى، يصبح الانتقام إغراءً كبيرًا، خاصة لمن شاهدوا بعينهم أبشع الجرائم أو فقدوا أحبّتهم بطرق لا توصف. ولكن، هل يكون ردنا هو تكرار الظلم بوجه جديد، أم أن نرتقي لنصنع فرقًا بين الدولة وشريعة الغاب؟

العدالة ليست شعارًا يُرفع عندما تتوافق مع أهوائنا، بل هي مبدأ يُحترم حتى عندما يكون مؤلمًا وصعبًا. إن القانون لم يُكتب من أجل الأيام العادية، بل وُجد لحماية المجتمع في لحظاته الأكثر ظلمة، حتى لا يتحول الغضب إلى قانون، وحتى لا يكون العدل رهينة المشاعر الملتهبة.

الانتقام لا يبني الأوطان، بل يحرقها. وصدق المثل السوداني: “من فشا غبينته، خرب مدينته.” فحين نترك العواطف تحكم قراراتنا، فإننا لا نصنع العدل، بل نخلق دائرة جديدة من الظلم لن تنتهي.

هذه المسؤولية تقع على الجميع؛ على الحاكم قبل المحكوم، على القاضي قبل المتقاضي، وعلى المواطن قبل المسؤول. فإذا اختار أصحاب السلطة أن يجعلوا العدالة وسيلة انتقام، فإنهم يهدمون أسس الدولة، وإذا اختار المواطن أن ينحاز للغضب على حساب القانون، فإنه يساهم في خلق بيئة من الفوضى لا ينجو منها أحد.

إن مستقبل هذا الوطن لا يُبنى بالحقد، بل بالعدل، ولا يُصان بالانتقام، بل بالمحاسبة النزيهة. فإما أن نكون جميعًا جزءًا من إعادة بناء العدالة، أو أن نكون جميعًا ضحايا حلقة مفرغة من العنف لن ترحم أحدًا. والخيار بأيدينا.