أ/ عثمان العاقب يكتب : السودان العظيم

القوس اونلاين
نحن شعب أصيل، متجذر في القيم والتراحم والتكاتف، نمتلك من الصفات ما يندر أن تجتمع في غيرنا. ورغم محاولات بعض الأقلام النشاز للنيل من قيمنا وتحطيم احلامنا بالتخويف والتهديد والوعيد دون معرفة حقيقية بهذا الشعب الكريم، تظل حقيقتنا أكبر من أي تشويه. لكن الاعتراف بجمالياتنا لا يمنعنا من مواجهة الأخطاء والقصور التي صاحبت مسيرتنا، خاصة في الجانب السياسي، والذي كان بوابة للفشل الاقتصادي والاجتماعي.
الفشل السياسي في السودان لم يكن وليد اليوم، بل هو أزمة متراكمة منذ خروج المستعمر. فقد عجزت الأحزاب عن إدارة البلاد بديمقراطية حقيقية، وظلت تدور في حلقة مفرغة بين حكم عسكري قاسٍ وديمقراطية ضعيفة لا تصمد طويلًا. فضعف الأحزاب كان عاملاً رئيسيًا في انهيار التجارب الديمقراطية، بسبب افتقارها للبرامج الرصينة والرؤية الواضحة التي تعبر عن تطلعات الشعب. حتى أن أحد البرلمانيين في الماضي قال مقولته الشهيرة: “هذه الديمقراطية لو خطفها كلب، لما وجدت من يقول له جرّ!”، وكأنها شهادة وفاة مبكرة للنظام الحزبي.
ولأن البديل لم يكن أفضل، فإن الحكم العسكري جاء باستبداد مقنع بشعارات دينية، نهب البلاد وأفقر العباد، مستخدمًا القوة العسكرية لقمع كل الأصوات الحرة. كادوا أن يخلدوا في الحكم، لولا بسالة الشباب الذين صنعوا ثورة ديسمبر المجيدة واقتلعوهم من جذورهم. لكن الثورة التي اشتعلت بشجاعة الثوار، افتقدت إلى قيادة سياسية حصيفة تترجم أحلامهم إلى واقع، فوقعنا مرة أخرى في دوامة الفشل، حتى جاءت الحرب الانتقامية التي شردت الشعب ودمرت البلاد.
“هذه الحرب لم تقتل فقط البشر، بل اغتالت الأحلام، وهدمت البيوت، وقطعت أوصال الوطن، لكن رغم ذلك، لا يزال في عيون النازحين واللاجئين بريق الأمل في صناعة وطن عظيم، يتسم بمعاني الوطنية وقيمها السامية.
لكن التغيير لا يأتي بالأماني فقط ، بل بتفجير طاقات الشعب لصالح الوطن، ليكون كل فرد جندياً في معركة البناء. الوطنية ليست شعاراً يُرفع في الأزمات، بل التزام يومي بتحقيق المصلحة العامة، كلٌ في موقعه. السودان لن يُبنى بأيدٍ مرتعشة، بل بسواعد تعرف أن الأرض التي ارتوت بدماء شهداء الثورة لن تكون مرتعاً جديداً للفاسدين.
نحن أمام لحظة تاريخية، فإما أن نصنع مستقبلاً جديداً، أو نسمح لعجلة الماضي أن تدور من جديد. لكننا نملك الخيار، والشعوب التي ذاقت مرارة الحرب وعانت من ويلاتها لن تقبل أن تفقد أحلامها مرة أخرى في الاستقرار والسلام. لقد حان وقت العمل، وحان وقت أن يكون الوطن فوق الجميع، وتنفيذ العدل، فهو الأساس الذي تبنى عليه الدولة، معه تتحقق المساواة، ويعم السلام، وإن اختل ميزانه، اختلت الدولة وفقدت جغرافيتها. في العدل البقاء، وفي الظلم الفناء.
لا عودة للانتهازيين، لا مكافأة للمجرمين ، لدينا خياران لا ثالث لهما: إما أن نكون صنّاع التاريخ، أو أن نكون مجرد عِبرة فيه.