أ/ عثمان العاقب يكتب : المواطن ما بين اليوم وغداً

القوس اونلاين
رغم أن الحرب تحمل في طياتها كل المآسي والآلام، إلا أن أقسى ما فيها فقدان الأحبة، ليس فقط بالموت، بل بالطريقة الوحشية التي تترك الجثث أشلاءً متناثرة بفعل القصف العنيف. وما هو أشد وجعًا أن تتحول المنازل إلى قبور لساكنيها، كما حدث في بداية هذه الحرب الدامية.
تتوالى الفظائع، ويأتي الاغتصاب كجريمة تشيب لها الولدان، حيث تنعدم الإنسانية أمام مشهد الضحية تُنتَهك أمام أسرتها، وكل من يحاول الدفاع عنها يُقتل بطلقة واحدة، فيتحول إلى جثة هامدة. ثم تتتابع المآسي بالنهب المسلح، حيث تقتحم البيوت تحت تهديد السلاح، تُسلب السيارات، وتُنهب الممتلكات، فلا يملك الضحية إلا أن يتمتم: “الحمد لله، الجاتك في مالك سامحتك”، ويعزّي نفسه وأهله قائلاً: “الحمد لله ربنا حفظ الروح والعِرض”.
لكن الكارثة الكبرى ليست فقط في فقدان الأرواح والممتلكات، بل في اقتلاع الإنسان من جذوره، حين يجد نفسه نازحًا أو لاجئًا، يواجه الحياة بلا عمل، بلا مأوى، بلا استقرار، يتحمل مشقة العيش والحنين للوطن، يزداد وجعه كل يوم، وتتسع مأساته مع مرور الوقت، وحلمه الوحيد هو العودة إلى دياره. وحين يعود إليها، يصدمه مشهد آخر لا يقل قسوة؛ دياره خاوية من كل شيء إلا الجدران وآثار ما كان فيها. إنها خسارة جديدة، وفقد آخر يضاف إلى سجل الأحزان، لكنه امتحان للإرادة والعزيمة، فالبيوت تُبنى من جديد، مع الصبر والصمود .
هذه المشاهد المظلمة لا يدرك قسوتها إلا من عاش وسطها، سمع أصوات القذائف تتساقط حوله، اهتزت الجدران تحت وطأة القصف، وعاش لحظات الرعب تحت هدير الطائرات الحربية، والتدوين العشوائي الذي لا يترك في القلب إلا السواد والخوف. ومع كل صوت مدفع، كان الأمل يتضاءل، لكن رغم ذلك، يبقى الحلم بالنصر والسلام حاضرًا، ويبقى السؤال الأكبر: كيف ستكون الحياة بعد هذه الحرب العنيفة؟
الإجابة على هذا السؤال تضعنا أمام اختبار تاريخي عظيم: إمّا أن نكون أو لا نكون. لا مجال لأنصاف الحلول، ولا تراجع عن إعادة بناء السودان بروح جديدة، فالحرب لم تستثنِ أحدًا، سواء من كان في ساحتها مباشرة أو من حمل جراحها عن بعد، متضامنًا مع ضحاياها. هذه الشمولية تفرض علينا التوافق والعمل الجماعي، ليس من أجل أنفسنا فقط، بل من أجل الوطن.
علينا أن ننهض بالإعمار، نتصدى لكل مظاهر الخلاف، ندفن التفرقة والعداء، ونؤسس لمرحلة جديدة قائمة على الوحدة والاحترام المتبادل، دون تسلط أو قهر أو تخوين أو تعالٍ من أي طرف على الآخر. فقد تجرّع الجميع مرارة الحرب، بدرجات متفاوتة، لكن دون أن يكون ذلك مبررًا لمزيد من الانقسام.
وبالعزيمة والإصرار والاعتماد على الله، سنعيد ديارنا أفضل مما كانت عليه، ونعيد كل ربوع السودان نابضة بالحياة من جديد.