أ/ عثمان العاقب يكتب : رمضان واللجوء

القوس اونلاين

 

رمضان هذا العام ليس كأي رمضان عرفته من قبل. جاء ثقيلًا، ممتلئًا بالحنين للبلد، بلا روح، بلا طقوس، بلا تلك التفاصيل الصغيرة التي كانت تمنحه الدفء والمعنى. جلست وحدي عند النافذة في بلد غريب، أرقب المغيب، لكنه لم يكن مغيب أم درمان، ولا شمس الخرطوم التي كانت تتهادى فوق النيل قبل الأذان.

لم يكن هناك صوت الجيران يتبادلون التهاني بـ”رمضان مبروك”، لم تكن هناك أوعية “الحلو مر” تفوح برائحتها في الأزقة، لم يكن هناك أطفال يفرشون الساحات بالحصائر، ولا جيران يتسابقون في جمع موائدهم في مكان واحد، حيث تمتزج النكهات بالمحبة، وتذوب الفوارق أمام بركة الإفطار.

تذكرت مائدة الإفطار في وطني… الصينية تتوسطها العصيدة، يحيط بها ملاح التقلية من جانب، والنعيمية من الجانب الآخر. تذكرت صوت الأذان القادم من المسجد القريب، وكوب الليمون البارد الذي يسبق اللقمة الأولى، وتذكرت جاري الحنون وهو يناولني التمر قائلاً: “حلل صيامك بالبلح”. كانت هذه التفاصيل الصغيرة تصنع لرمضان هيبته وفرحته،

لكنها الآن مجرد ذكرى، بعيدة كأنها حلم مؤجل.
نظرت حولي… كل شيء هنا بارد، غريب، صامت. لا رائحة الطعام تشبه رائحة أكلنا، لا الأصوات تحمل دفء لهجتنا السودانية التي كانت تئن من مشقة الصيام وتواسي نفسها بقول: “اليوم صعب، لكن أجره كبير”. حتى الشوارع تبدو موحشة، لا تُشبه شوارع الخرطوم التي كانت تعج بالحياة، ولا أزقة حي المايقوما التي كانت تضج بالناس قبل الإفطار.

حاولت أن أكتم دمعتي، لكنها أفلتت، موجعة، متقطعة. هل صار الوطن حلمًا مؤجلًا؟ كيف لا أبكي، وروحي هناك وجسدي هنا، محاصر بجدران لا تعرفني؟ كان رمضان في السودان حياة، لكنه في اللجوء… مجرد انتظارٍ للمجهول.