أ/عثمان العاقب يكتب : ما نقول… ما نقول

القوس اونلاين
ليس هناك ما هو أبشع من أن ترى طفلاً صغيرًا يقف وحيدًا في وجه آلة القمع والوحشية، أن تحاصره البنادق وتُفرض عليه كلمات لا تعني له شيئًا سوى الذل، لكنه في لحظة صدق وشجاعة يرفض أن ينطقها، يواجه جلاديه بقلب طفل لكنه بروح رجل، فيقول بكل بساطة: “ما نقول ما نقول”.
ذلك الفيديو الذي هزّ قلوب كل من شاهده لم يكن مجرد مشهد عابر، بل كان صورة مكثفة للجرائم التي تُرتكب في حق أطفال السودان. كان شهادة دامغة على مدى وحشية العدو وتجرده من الإنسانية، إذ لم يكتفوا بقتل الرجال واغتصاب النساء ونهب المدن، بل وصل بهم الأمر إلى إرهاب الأطفال ومحاولة إخضاعهم لهيمنتهم البغيضة. لكن هذا الطفل، الذي لم يتجاوز عمره سنوات قليلة، كشف لنا جميعًا أن الكرامة لا تُقاس بالعمر، وأن الكبرياء السوداني متجذر حتى في صغارنا.
أطفالنا فلذات أكبادنا، أمانة في أعناقنا وواجبنا الدفاع عنهم، حمايتهم، وتوفير حياة كريمة لهم، خالية من الوحوش البشرية التي تغتال براءتهم بدمٍ بارد وقلوبٍ خالية من الرحمة. الطفولة ليست مجرد مرحلة، بل هي أساس المجتمع ، وإن تركناها للضياع، خسرنا حاضرنا ومستقبلنا. فلنقف معًا، صفًا واحدًا، لحماية أطفالنا من كل أشكال العنف والانتهاك، فهم بذور الحاضر وثمار المستقبل، وحمايتهم مسؤولية لا تقبل التأجيل.
هذا المشهد أعاد إلى أذهاننا صورًا مأساوية كثيرة، أطفال شُردوا، فُقدوا، قُتلوا، واغتُصبت طفولتهم أمام أعين العالم، ومع ذلك، لم نرَ موقفًا دوليًا حاسمًا تجاه هذه الجرائم، لم نسمع صوتًا عالميًا يندد بهذه الوحشية. هل أصبح دم أطفال السودان رخيصًا إلى هذه الدرجة؟ هل باتت حقوق الطفل مجرد شعارات فارغة تُستخدم عند الحاجة ثم تُطوى في أدراج النسيان؟
إننا اليوم، إذ نكتب هذه الكلمات، لنؤكد أن هذا الطفل الذي وقف بشجاعة في وجه القهر ليس مجرد استثناء، بل هو نموذج لصمود هذا الشعب. ويجب أن يكون هدفنا بناء وطن سليم معافى، لا يخاف فيه الأطفال، وطن يحمي براءتهم بدلًا من أن يسلبها منهم.
هذه الجريمة لن تمر، ودموعنا التي انهمرت اليوم ليست دموع ضعف، بل دموع غضب ستتحول يومًا إلى قوة تطرد المجرمين وتعيد للسودان مجده المسلوب. “ما نقول” ليست مجرد كلمات، بل هي رسالة لكل من يظن أن بإمكانه كسر هذا الشعب، رسالة تقول لهم: قد تقتلون الجسد، لكن الروح تبقى حرة أبد الدهر!