أ/عثمان العاقب يكتب : أطفالنا بين البراءة والخطر

القوس اونلاين
انتشر مؤخرًا مقطع فيديو صادم، يظهر فيه أحد الجنود مستلقيًا على سريره في منزله، يلاعب طفله الصغير. لكن اللعبة لم تكن دمية أو كرة، بل جمجمة بشرية! يسأل الأب طفله عن ماهيتها، فيرد الصغير ببراءة: “هذه جمجمة دعّامي”. المشهد لم يتوقف هنا، بل أصر الأب على أن يجعل الجمجمة محببة لدى الطفل، يبتسم وهو يشجعه على التعامل معها وكأنها شيء طبيعي، بينما يحاول الطفل، بغريزته الفطرية، إبعادها عنه.
هذا المشهد صادم، ليس فقط لأنه يُظهر انتهاكًا لحرمة الموتى، بل لأنه يغرس العنف في ذهن طفل لم يعرف بعد معنى الحياة. الأطفال يتعلمون مما يرونه، وعندما يتعاملون مع مشاهد الموت كأمر عادي، يكبرون وهم يحملون في داخلهم قسوة لا ينكرها الزمن. التربية السليمة لا تُبنى على مشاهد الحرب، بل على قيم الرحمة والتسامح، لأن الطفولة التي تُحاصر بالعنف، تخلق جيلًا لا يعرف سوى لغة القوة والدم.
إن نقل الصراعات إلى الأطفال جريمة تربوية وأخلاقية، فهم لم يختاروا الحرب، فلماذا نحمّلهم وزرها؟ بدلاً من أن نصنع منهم وقودًا لصراعات لا تنتهي، علينا أن نربيهم ليكونوا رسلًا للسلام والمحبة. المجتمعات التي تحلم بمستقبل مزدهر، لا تسلّم أطفالها لأفكار الانتقام، بل تزرع فيهم قيم العدل والتسامح.
ليس هذا فحسب، بل حتى النقاشات بين الوالدين حول الحروب والصراعات الاسرية يجب أن تكون بعيدة عن مسامع الأطفال، لأنهم يتأثرون بكل ما يُقال أمامهم. فكيف بنا أن نجعلهم يلعبون برأس قتيل؟ هذه المشاهد ليست مألوفة حتى للكبار، والرؤوس البشرية كرمها الإسلام بالدفن، لا بأن تكون أداة عبث بيد طفل بريء!
وأخيرًا، يجب ألا نكون شركاء في نشر هذه المشاهد، لأن الترويج لها يطبعها في الذاكرة الجمعية ويجعلها مألوفة مع مرور الزمن. مسؤوليتنا ليست فقط في رفض هذه السلوكيات، بل في منع تداولها أيضًا، لأن العنف يبدأ بفكرة، وإذا انتشر، صار ثقافة يصعب اقتلاعها. وتربية أطفالنا تربية سليمة مسؤولية أخلاقية، ودينية، ووطنية، واجتماعية، وإنسانية. والمثل السوداني يقول: “ليس الأب من يلد، لكن الأب من يربي”.