أ/ عثمان العاقب يكتب : الخرطوم تتحرر

القوس اونلاين
اليوم، الخرطوم تمسح دموعها التي سالت لعامين طويلين، تحتضن أبناءها العائدين إليها بلهفة، وتفتح ذراعيها لكل من حمل في قلبه الوفاء لها. الخرطوم تتحرر، ومعها تتحرر أرواح المظلومين، وتتنفس شوارعها الصامدة بعد أن خنقها الدمار، ويعود النيل ليعكس وجهها المشرق بصفائه المعتاد، بينما تشرق شمس السلام بانتصار الحق على الباطل، وانكسار العدو الخبيث تحت أقدام من آمنوا بوطنهم ولم يخذلوه.
هذا النصر جاء بصبر الأبطال وتضحياتهم الجسام. فحملوا راية العزة وساروا بها وسط العواصف والمحن، مؤمنين بأن الوطن يستحق كل غالٍ ونفيس. لم تكن معركتهم مجرد استرداد للأرض، بل كانت استعادة للكرامة، وردًّا للحقوق، وإحياءً للروح في جسد سودان أنهكته الحروب والفتن.
لكن، ومع زغاريد النصر، يبقى أمامنا التحدي الأكبر كيف نبني ما تهدم؟ كيف نعيد اللحمة الوطنية ونستعيد الخرطوم كعاصمة تسع الجميع؟ النصر الحقيقي لا يُقاس فقط بتحرير الأرض، بل بتحرير النفوس من آثار الحرب، بإقامة دولة العدل التي لا يُظلم فيها أحد .
اليوم، تبدأ معركة البناء. علينا أن نكون بحجم هذا النصر، أن نُصلح ما أفسدته الحرب، أن نعيد السودان إلى مساره الصحيح، وأن نؤسس لوطن لا مكان فيه للظلم والقهر والعنصرية وخطاب الكراهية . فالخرطوم تحررت، ويبقى أن نحرر عقولنا من الخمول والكسل، وقلوبنا من الحقد والكراهية، لنصنع سودانًا جديدًا، سودانًا يليق بمن ضحوا لأجله، سودانًا يجد فيه كل من أحب هذا الوطن حياة كريمة، حرة، وآمنة.
والتحدي الأكبر أمامنا الآن هو أن نغلق المنافذ التي تسللت منها ظلال الحرب، بحصر السلاح واحتكاره للدولة وحدها، ثم إقامة دولة القانون والعدل، حتى تشرق شمس السلام والأمان على كل ربوع السودان الحبيب.