يوسف محمد الحسن يكتب : البطاقة الصحفية بوجبة طعمية!!

تحت السيطرة
في حقيقة الأمر أن مهنة الصحافة هي مهنة مقدسة ومرموقة واهلها يحملون مشاعل الفكر ويضيئون دروب الحقيقة، لكن وللاسف الشديد فإن الفترة الأخيرة جرت متغيرات كثيرة ألقت بظلال سالبة على حال مهنة الضمير والاخلاق وجردتها من مجدها العظيم
اسمحوا لي أن أبدأ حديثي بمرارة في حلقي وغصة تكاد تخنق أنفاسي، وكما يعلم الجميع فأن لكل مهنة شروطها وضوابطها، و ميثاق شرف يحكمها، وقواعد أساسية لا يمكن تجاوزها حفاظًا على قدسيتها وسمعتها، حتى تلك المهنة التي يلوكها البعض بألسنة قذرة، أعني بها(ال۔۔۔۔۔) أعاذنا الله وإياكم لها قوانين تنظمها، وشروط ضرورية لحماية المجتمع من الأمراض تخيلوا معي هذه المفارقة العجيبة! عندما ترغب (۔۔۔) في الحصول على ترخيص لممارسة (مهنتها!) فإنها تخضع لفحوصات طبية دقيقة وإجراءات معقدة لضمان سلامة الآخرين، وهذا عين العقل والمنطق، ولكن عندما يتعلق الأمر بمهنة الصحافة، تلك السلطة الرابعة التي يفترض أنها عين المجتمع ولسانه الصادق، فإن الأمر بات مفتوحا للجميع، و مؤسفا للحد البعيد و يختلف جملة وتفصيلاً عما يحب أن يكون عليه!
من يصدق أنه حاليا لا توجد أي شروط حقيقية لممارسة هذه المهنة النبيلة، فقد غابت كل المعايير وأصبح الحصول على البطاقة متاح لأي شخص ويباع ويشترى في سوق (الله اكبر) لا ميثاق شرف ملزم، لا معايير مهنية ولا اخلاقية، وإنما بمعيار واحد فقط هو (المال!) يعني إلا (يخذلك جيبك) والسبب يكمن في إنتهازية بعض المنتسبين إليها، وعدم إكتراث البقية بصون المهنة وحمايتها من الدخلاء والارزقية
بسبب غياب الضمير وتفشي الإنتهازية وعدم إحترام هذه المهنة المقدسة من قبل بعض المحسوبين عليها زورًا وبهتانًا، أصبح الحصول على بطاقات الكيانات الصحفية أمرًا متاحًا للجميع، بل يباع على قارعة الطريق وبأبخس الأثمان!
في الايام الماضية شاهدت بعيني تُعرض هذه البطاقات جهارًا نهارًا، بما فيها بطاقات تحمل أسماء كيانات عربية ودولية مرموقة! وبإمكان أي شخص، كائنًا من كان أن يحصل على هذه (الهويات الصحفية) المزعومة شريطة أن يكون (جيبه عامرًا) ولو قليلاً، حتى لو لم يكتب هذا الشخص سطرًا واحدًا في حياته، ولم يقرأ خبرًا واحدًا بتمعن، فإنه يصبح بين ليلة وضحاها (صحفيًا) يحمل بطاقة تمنحه حصانة ونفوذًا وهميًا على حساب أهل الوجعة الذين هم في غفلة من أمرهم!
يا للعار! ويا للخزي لقد أصبح الحصول على بطاقة الإنتماء لعبض الكيانات الصحفية، سواء كان محليًا أو عربيًا أو دوليًا، أسهل بكثير من الحصول على بطاقة (۔۔۔۔۔) مرخصة، بل إن المفارقة تزداد غرابة فعندما تفشل (إحداهن!) في الحصول على ترخيص مهنة ال (۔۔۔۔۔) يمكنها ببساطة أن تحصل على بطاقة صحفية وتمارس المهنتين معًا! ومن يتأمل المشهد الصحفي مؤخرا يري (العجائب) والسبب هو سهولة الحصول على البطاقات فأي إنحدار هذا؟ وأي إستخفاف بقيمة الكلمة وقدسية المهنة اكثر من هذا؟
لا اعلم لماذا يظل الصحفيون الحقيقيون أصحاب الضمائر الحية والأقلام النزيهة في هذا الوضع (الصامت!) وإلى متى يظل صامتون على هذا العبث؟ إلى متى يتركون هذه المهنة الشريفة مرتعًا للإنتهازيين والدخلاء؟ يجب عليهم أن يتحركوا وبقوة للحفاظ على حقوقهم وحماية مهنتهم من هذا التشويه الممنهج، فالكيانات الموجودة اليوم هي ليست سوى واجهات سياسية تعمل بنظام (الشلة!!) وتختلف في ألوانها وشعاراتها فقط، أما جوهرها فهو واحد وهو خدمة مصالح ضيقة، وآخر إهتماماتهم الدفاع عن شرف المهنة المغتصبة من بعض المحسوبين عليها
اعلموا إن صمتكم تواطؤ، وتقاعسكم خيانة للأمانة، استفيقوا قبل فوات الأوان، وطالبوا بتنقية الصفوف ووضع معايير واضحة لممارسة هذه المهنة المقدسة، فكرامة الصحافة من كرامة المجتمع، وانهيارها يعني انهيار جزء كبير من قيمه وأخلاقه
أقولها بصدق وأسى لقد أصبحت قيمة البطاقة الصحفية في سوق النخاسة الإعلامية أرخص من رخصة (تلك المهنة!) فهل يليق بنا هذا الحال؟ وهل نرضى بأن تتحول مهنة البحث عن الحقيقة إلى مهنة لمن لا مهنة له؟ الإجابة لديكم، والفعل منكم يبدأ وإليكم يعود!!!