عمسيب العوض يكتب : إيمان عبد الكريم… نجمة السودان الأولى

القوس اونلاين
“إيمان عبد الكريم… تذكّروا هذا الاسم جيداً، فموعده مع المجد يقترب، وخطواته الواثقة تتّجه بثبات نحو عرش الفن السوداني، لتتربّع عليه ملكةً متوّجةً لا يُشقّ لها غبار.”
من بين الزحام، ومن قلب الخرطوم النابض بالحياة، تتسلّل موهبة فذّة، تُعلن حضورها لا بضجيج ولا افتعال، بل بفنّ راقٍ، وإبداعٍ أصيلٍ، وأداءٍ متقنٍ يليق بالذهب النقي. إنها إيمان عبد الكريم، الفنانة التي لم تأتِ من فراغ، بل جاءت من عمق الموهبة، وجذوة الشغف، ونور الاجتهاد، لتحفر اسمها على صخر الزمن بمداد الصدق والعطاء.
عرفناها أول الأمر عبر أثير راديو الخضراء، حيث كانت تطل على الصغار من خلال برامج الأطفال، لا كمقدّمة تقليدية، بل كمبدعة متكاملة، تحضر باكراً، تُراجع الحلقات بعناية، وتُدخل إلى الاستوديو عالماً من الأصوات المُسجّلة والمشاهد المحكية، تصنع منها عالماً بديعاً يأسرك قبل أن يُقنعك، ويأخذك حيث أرادت، لا حيث أردت.
لم تكن إيمان يوماً عابرة في مشهد، بل كانت قادرة على التلوّن داخل كل قالب، من الأطفال، إلى المنوعات، إلى ساحات المهرجانات، وفي كل محطة تترك بصمتها المبهرة التي لا تُخطئها عين، ولا يجهلها قلب.
وما يثير الدهشة والإعجاب في آنٍ، هو هذا التناغم العجيب بين شخصيتها الفنية المتعددة. ففي لحظةٍ تراها فنانة استعراضية من طرازٍ نادر، تُجسّد راقصات السودان في شخصٍ واحد، وتجمع خيوط ثقافاتنا المتناثرة بطرف ثوبها المطرّز بالحب والانتماء، فتُعبّر عنّا جميعاً، وتحكي حكاياتنا العميقة على خشبة المسرح وفي فضاءات الفن.
أما في الدراما، فهنا المعجزة حقاً. فحين تطلّ، حتى بدور ثانوي، يخفت من حولها كل شيء، ويعلو حضورها الطاغي. موهبة صافية، تلقائية آسرة، وقدرة استثنائية على التقمّص تجعلها تخطف الأنظار، وتُشعل القلوب قبل أن تُضيء الشاشة. إنها واحدة من أولئك القلائل الذين إن حضروا، توارى الجميع خلف ظلالهم.
ولعلّ ما زاد من الالتفاف الجماهيري حولها، هو تلك المقاطع القصيرة التي اجتاحت المنصات، لتُجيب على سؤال الناس: “من تكون هذه الفتاة؟”… فتاةٌ دخلت القلوب قبل البيوت، وعانقت وجدان الناس قبل أن تطأ خشبة المسرح.
وفي مسرحية البراويز، التي تُعرض حالياً على يد أستاذ الأجيال محمد نعيم سعد، وقفت إيمان وقفة الشجعان، واعتلت المسرح بثقة الكبار، لتُبرهن أن النجاح لا يُمنح، بل يُنتزع انتزاعاً، وأن المجد لا يأتي على بساط الريح، بل على بساط العرق والصبر والإصرار.
سنواتٌ من الكفاح والمثابرة، لم يثنها عنها عنت المواصلات، ولا ضعف العائد المادي، بل ظلّت متشبثة بأحلامها كما تتشبث الوردة بحياتها وسط الرماد. اشتغلت على نفسها بصبر العلماء، وأخلصت لفنها كمن يؤدي رسالة، فكان لها ما أرادت، وبلغت ما بغت.
إن أمثال إيمان عبد الكريم ليسوا فقط فنانين، بل هم رموز ناصعة لوجه السودان المشرق، لروحه الجميلة، لإبداعه المتدفق، ولتاريخه العريق المتجدّد في وجوه شابة وموهوبة كهذه النجمة الصاعدة.
فلنرفع القبعة، ولنمنحها ما تستحق من دعم وتقدير.
إيمان عبد الكريم… نجمة السودان الأولى، عنوانٌ سيُكتب بماء الذهب، وسيتلألأ في سماء الفن السوداني طويلاً .