محمد الامين يكتب : تجربة و زاد

القوس اونلاين
الحياة على هامش الحرب تجربة مهمة جدا فهي تختبر مدى شجاعتك وصبرك وجلدك وقوة ارادتك وما مدى استعدادك لمواجهة السئ والاسوأ والأكثر سوءاً… فأنت وأسرتك في مرمى نيران الطرفين المتحاربين لان حرب السودان حرب وحشية فهي لا تفرق بين البشر والحجر فكل كائن حي او جماد مستهدف… مما جعلها أشبه بحرب المدن المحروقة لذلك تجد ان عدد كبير من المدنيين ماتوا بسبب طلقة طائشة او دانة تائهة او برميل متفجر ضل الطريق!!
حرب السودان فيها (شتارة) لا أخلاقية ومعلنة لان المؤيدين من طرفي الحرب يعلنون عبر الوسائط المتعددة انهم بصدد إبادة الحواضن الاجتماعية للطرف الآخر وهو ما جعل الخسائر البشرية كبيرة جدا تفوق حد التصور(خاصة وسط المدنيين )
لقد عشنا تفاصيل التجربة وكنا بين الخوف الذي يصل احيانا حد الرعب وما بين الهواجس التي تصبح رفيقة لك تتحول احيانا إلى كوابيس أثناء النوم وبالتحديد عندما تحدث اشتباكات قريبة من منزلك او حتى تلك البعيدة عند إستخدام أسلحة ذات الأصوات العاليه الانفجارات الضخمة…. وما بين الأمل والرجاء وقليلا من التفاؤل.
عندما تقرر المغادرة من مدينة الى مدينة أخرى تنتابك هواجس من نوع آخر فانت هنا تواجه مخاطر الطريق وما أكثرها أثناء هذه الحرب العبثية فربما تخاف على اطفالك وبناتك وزوجتك أكثر من خوفك على نفسك وربما تخاف على مقتنياتك ومالك وتجد نفسك الأمارة بالسوء تحدثك وتطرح عليك أسئلة من نوع ماذا لو؟… ماذا لو؟… فترتبك وتشعر بالحزن و الإحباط ولكن الطبيعة البشرية الجانحة نحو الخلود تقوى في إحساسك بانك ستنجو لا محالة…. مررت بمواقف كثيرة كنت أقرب إلى الاعتقال او الاعتداء او النهب ولكن نجوت منها كلها بفضل ثباتي واحيانا مكري واحيانا حسن حظي واحمد الله كثيرا انني مازلت حي ارزق ومازالت اسرتي بخير.
عندما تعود إلى بيتك بعد ابتعاد الحرب عنه تسهل عليك المصايب الأخرى بالرغم من حزنك على ما حل بمدينتك وبيتك وما حاق به من نهب ودمار وبالرغم من انعدام الخدمات َو َانتشار الاوبئة وبالرغم من انعدام العمل وبالرغم من صعوبة الحياة وبالرغم من قلة الحيلة في توفير الحد الأدنى للمعيشة…. ولكنك عدت على اية حال إلى واقع مختلف لا يشبه الماضي ولكنه يفتح كوة نحو المستقبل.
كل ما حدث لي كمواطن في هذه الحرب وويلاتها يؤكد ان موقفي ضدها من اول يوم كان موقفا صحيحا وان ايقافها اليوم قبل الغد هو الفعل الأخلاقي والانساني اذا كان ايا من هؤلاء يمت إلى الإنسانية والأخلاق بصلة.