حوار مع رئيس حزب الأمة القومي / السيد الصادق المهدي

حوار : عبدالباقي الظافر
في هذه المقابلة كان الصادق المهدي صريحا وواضحا، بل اكتنف صوته بعض الألم حينما تحدث عن ضرورة إسكات البنادق وإنهاء الحرب في اليمن، ووضْع حد فاصل لأي مشاركة لقوات سودانية في أي حرب خارج الحدود.
وعلى صعيد العلاقات الإقليمية، نادى الصادق المهدي بعقد اتفاق إستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، تكون أقطابه وأركانه الأساسية من العرب وتركيا وإيران، وذلك لتحقيق الأمن والاستقرار، كما دعا إلى تطبيع العلاقات السودانية الإيرانية التي قطعها النظام المعزول.
لكن الجديد الذي يمكن أن يمثل جدلا كبيرا جاء عندما تحدث الصادق المهدي عن الأمن المائي، واختلاف وجهات النظر بين السودان ومصر وإثيوبيا حول سد النهضة؛ إذ يطرح المهدي فكرة مؤتمر دولي واتفاق جديد حول مياه النيل، يشمل كل دول حوض النيل.
وفي ما يلي نص الحوار:
إلى أي مدى عبرت الحكومة الانتقالية عن شعارات البعد عن المحاور وإعلاء المصلحة الوطنية؟
الوضع الحالي مضطرب؛ النظام السابق أورثنا فوضى وانتهازية في العلاقات الخارجية، تارة يفاوض الأميركان، وفي اللحظة ذاتها يطلب الحماية من الروس، لذلك طالبنّا بمؤتمر قومي للعلاقات الخارجية يحدد مبدأ أن تكون علاقات السودان العربية والأفريقية متوازنة، وألا يكون للسودان أي دور في أي حروب خارج السودان.
لا بد أن نطالب أهلنا في أفريقيا والعالم العربي بإسكات البنادق، وهذا يتوافق مع قرارات الاتحاد الأفريقي بإسكات البنادق في 2020. ما يحدث من حروب في المنطقة العربية يتسبب في ضرر مباشر لشعوب تلك المناطق، وأنا كرئيس لمنتدى الوسطية العالمي أصدرت بيانا ناشدنا فيه كل البلاد العربية وقف الحروب وإجراء مصالحات عامة.
ماذا عن استيعاب هذه المفاهيم في علاقات السودان الخارجية؟
الحكومة الحالية في السودان لم تتخذ القرارات المطلوبة حول هذه القضايا. وربما أمر العلاقات الخارجية لم يحسم بعد، ونحن نقول ونؤكد أن السياسات المطبقة حاليا في مجال العلاقات الخارجية ارتجالية وغير منسوبة للإستراتيجية الوطنية، لهذا طالبنا في وثيقة العهد الجديد أن تقوم العلاقة الخارجية على تبادل المصالح والتوازن.
تحدثت عن سحب الجيوش السودانية من الحروب الخارجية ولدينا جيش كبير في اليمن.. ماذا ترى؟
نحن نطالب بوقف الحرب في اليمن، ولهذا رحبنا بموقف السعودية بوقف إطلاق النار في اليمن، وكذلك رحبنا بسحب الإمارات بعض جيوشها من اليمن.
وهذا يمضي في مسار الحلول السلمية؛ فالحرب في اليمن جلبت الضرر لكل الأطراف المشاركة فيها، وكذلك الحرب في ليبيا وسوريا، نحن حريصون على مصلحة الأمة العربية، لهذا نناديهم بوقف هذه الحروب. ومن المدهش أن الأمم المتحدة تطالب كذلك بوقف هذه الحروب ونحن ندعم هذا الاتجاه.
ماذا عن ليبيا؟ وكيف يمكن الخروج من المأزق؟
نحن أيدنا ملتقي برلين الذي قدم رؤية متقدمة على اتفاق الصخيرات، لهذا ينبغي التأسيس على ما اتفق عليه في برلين، فقد اتضح تماما أنه لا سبيل لحسم الحرب في ليبيا بسبب التدخل الأجنبي، فكلما ضعف طرف تمت مناصرته عبر طرف أجنبي حتى لا يخسر.
والقوى الدولية الكبيرة منقسمة حول ليبيا؛ لهذا أنا أناشد الأخوين حفتر والسراج التصرف بسرعة لعقد اتفاق سياسي لإيقاف الحرب، وإقامة انتخابات حرة في ليبيا ليحدد الشعب الليبي من يحكمه.
لديكم إلمام كبير بالشأن الليبي، كما أنك رئيس منتدي الوسطية، لماذا لا تقومون بدور في ليبيا؟
سأفعل ذلك مع مجموعة من 24 شخصا، يمثلون قيادات في العالم العربي، وسأبحث مع هؤلاء الخطوات العملية التي ينبغي اتخاذها، وعلينا ألا نقف موقف المتفرج، وسنسعى لوقف كل الحروب في أفريقيا والعالم العربي.
هنالك الآن حديث عن أراض محتلة بواسطة الإثيوبيين شرقا، بالإضافة إلى حلايب في الشمال، كيف ينظر الإمام لملف حدود السودان؟
معظم حدودنا مع جيراننا فيها تجاوز، علينا اتخاذ المواقف التالية: أولا لا تراجع عن أي أرض سودانية، ثانيا لا نسعى لاسترداد حقنا بالقوة، بل نلجأ إلى محكمة العدل الدولية في كل قضايا الحدود المختلف عليها، وهذه المحكمة أقيمت لحسم التنازع بين الدول المختلفة كبديل للحرب.
ماذا عن حلايب، هل يشملها الموقف ذاته؟
نعم، يشملها الموقف. ثم ضاحكا: “ما في سوداني يقول حلايب مصرية ولا مصري يقول حلايب سودانية”. هذا يعني وجود خلاف فقط علينا إبعاد الأجندة الحربية.
لكن مصر ترفض خيار اللجوء إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة لا تنظر في قضية إلا بموافقة الطرفين؟
سنظل نقول لكل الأطراف نحن لن نتنازل عن حقوقنا، ونتجنب الحل العسكري، ونناشد كل الأطراف التي لها خلافات حدودية قبول قرارات محكمة العدل الدولية.
المياه باتت حاضرة في كل العلاقات الدولية، والآن هنالك خلافات بين مصر والسودان وإثيوبيا حول ملف المياه وقيام سد النهضة، ما رؤية حزب الأمة؟
هنالك أخطاء ارتكبت في إدارة المياه في حوض النيل، مثلا اتفاقية مياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان لم تشرك بقية دول حوض النيل، وكان ذلك خطأ.
الآن الخلاف حول مياه النيل لا ينبغي أن يكون محصورا بين ثلاث دول؛ فالنيل وحدة مائية لا بد من قيام مؤتمر دولي يشمل كل دول حوض النيل لإبرام اتفاقية دولية حول مياه النيل، خاصة أن مياه النيل لا تقف عند حد راكد؛ فترعة جونقلي مثلا يمكنها تزويد مياه النيل بعشرين مليار متر مكعب إن تم تنفيذها، ولدي كتاب أوضحت فيه ذلك.
ماذا عن العلاقة مع إيران في بعديها: مع السودان والعالم العربي؟
أنا قلت أكثر من مرة لا بد من صلح سني شيعي، وذلك لأن الشيعة والسنة يعيشان في مناطق مشتركة، وهذه القضية عمرها 14 قرنا، ولا يمكن حسمها بالجدل ولا بالحرب. الأوروبيون بعد ثلاثين سنة من الحرب عقدوا اتفاق وستفيليا، الذي أوقف الحروب الدينية في أوروبا، ونحن ينبغي أن نتجاوز المواجهات السنية الشيعية.
وأمضي إلى أكثر من ذلك، فقال الشرق الأوسط الكبير يحتاج لاتفاق أمني إستراتيجي عربي تركي إيراني، وهذا الأمر يحتاج لمبادرات عقلاء في المنطقة، فلا توجد إمكانية لمحو أي من هذه المكونات الثلاثة.
ماذا عن العلاقات السودانية الإيرانية؟
علينا ألا نتلاعب في هذا الموضوع كما كان يفعل النظام المخلوع، الذي اعتمد على إيران في كل شيء. (ثم ابتسم) أنا شخصيا أيام الاعتقال قالوا لي نحن تعلمنا وسائل تعذيب من الإيرانيين سنطبقها عليك، لكنهم لم يفعلوا، المهم لا بد من تطبيع العلاقات مع كل الدول.
بما فيها إيران؟
نعم، كل الدول إلا إسرائيل، نحتاج لعلاقات طبيعية مع كل الدول، ومع التطبيع نراعي مصالح بعضنا البعض.
لماذا استثنيت إسرائيل؟
نحن ضد أي عداء مع اليهود، ولدينا مشروع “نداء الإيمانين” ويشمل كل الملل الإسلامية والمسيحية واليهودية، وذلك للتعايش مع كل الأديان، وفيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل هناك عيبان: إسرائيل أجازت قرار يهودية الدولة، وبها 20% من السكان عرب، هذا الأمر يحرمهم من حقوق المواطنة، وهنا إسرائيل مثل جنوب أفريقيا السابقة دولة تفرقة عنصرية.
الأمر الثاني مشروع “صفقة القرن”، ونحن نرفض الصفقة لسبب واضح، حيث اعتبرت أنه لا حق للفلسطيني، وهذا يتناقض مع قرارات مجلس الأمن، ويعني تمكين اليمين الإسرائيليين من ضم الضفة الغربية وغور الأردن.
رغم هذه التحفظات تواصلت الحكومة السودانية مع إسرائيل عبر زيارة كمبالا، حيث عقدت قمة نتنياهو والبرهان؟
نحن رفضنا ذلك لتلك الأسباب المبدئية؛ لا مصلحة وطنية في التطبيع مع إسرائيل، ولا نحتاج لمؤتمر للتطبيع مع دولة عنصرية.
تحدثت عن شروط عودة الإسلاميين لممارسة العمل السياسي في السودان، ماذا عن الحركات الإخوانية في العالم العربي والإسلامي؟
أتحفظ على تعبير الإسلاميين، فلا يوجد إسلام سياسي، بل سياسة إسلاميين، وعندما كنت في مصر وتم الحكم بإعدام المرحوم محمد مرسي ومحمد بديع ناشدت الرئيس السيسي أن يصدر عفوا، وذلك لأن هناك وجهتي نظر بين الحركة الإخوانية؛ فهناك من رأى الاستمرار في بيعة المرحوم محمد مرسي ويجيز الاغتيال قصاصا.