حوار مع الموسيقار / محمد الأمين

حوار / الفاتح ميرغني

صوته نغم من مزامير آل داؤود، يشجيك إذا تغنى ويشجيك إذا تكلم. أفرَدَ للعود مساحة رحبة في ميلودية الغناء السوداني، فأبْهَرَ وأشْجى وسَحَرَ..ألّفَ تقاسيماً موسيقيةً لا تقل جمالاً وسحراً عن تقاسيم الرحابنة والقصبجي ونصير شمة والسنباطي. هو باختصار واحة وريفة من الابداع وزورق من الألحان، إنه الموسيقار محمد الأمين.

*تعاملت مع العديد من الشعراء امثال: محمد على جبارة وفضل الله محمد وهاشم صديق والحلنقي وآخرين، ولكن هل تشعر أن هناك شاعر أكثر قرباً من مزاجية الموسيقار محمد الأمين؟

الموسيقار محمد الأمين: انا دائما ابحث عن الكلمة الجميلة التي يمكن أن تترك أثرا في نفسي بأكثر من البحث عن الاشخاص، وبالتأكيد جمعتني مع الشاعر فضل الله محمد عدد من القصائد مثل : ” ما ممكن تسافر” و “زاد الشجون” و “بُعد الشر عليك” و”أربع سنين”. ولكن هناك ايضا شعراء جمعتني معهم عدد من القصائد، أستاذنا المرحوم محمد على جبارة، وهو كان أول شاعر تغنيت له بقصائد مثل: “انا وحبيبي” و “وحياة ابتسامتك و “حرمان وأمل”، رغم ان هذه الاخيرة لم تر النور،” و “من الشباك” . فاذا تحدثنا بعدد الاغنيات، يمكنك أن تقول : محمد علي جبارة وفضل الله محمد.

الفاتح ميرغني: لقد تسنى لي متابعة معظم حواراتك، وفي حوار اُجري معك مؤخرا كان لديك رؤية نقدية في قصيدة الشاعر ابراهيم الرشيد: “يا واقد فوق جوفي النار”، حيث كنت ترى بأن بعض الأبيات غير مواكبة، إن جاز لي التعبير. هل سبق لك وأن رفضت نصاً شعرياً لشاعر ما؟

الموسيقار محمد الامين: في الحقيقة المسألة ليست رفضاً بالمعني المعروف، لكن من المؤكد أن هناك كمية ضخمة من القصائد قُدمت لي وكان لدي فيها رأي لانه بالنسبة لي القصيدة لا يجب أن تكون سليمة من الناحية الشعرية فحسب لكي الحّنها، بل لا بد وأن تحدث اثرا في نفسي. ولذلك قُدمت لي العديد من القصائد ولكني لم اقبلها رغم انها كانت سليمة من الناحية الشعرية. وهذا حدث في كثير من الاحيان.

الفاتح ميرغني: يا ترى ما هي الوصفة السحرية التي تستخدمها للمحافظة على صوتك متأرجحاَ بين الباريتون والتِينور الثاني؟ في الحقيقة الحفل الذي حضرته بالأمس كان مبهراً ومدهشاً وشجياً، رغم أن صوتك لم يكن في أبهى حُلته، لكن عنّ لي أن أسالك هذا السؤال؟

الموسيقار محمد الامين: بالنسبة لحفل الأمس، أنا شخصيا جئت من السودان ومصاب بنزلة برد، واستعملت كمية كبيرة من الادوية لكي استطيع أن اغني، يعني صوتي في حفل الامس لم يكن سليماً مئة بالمئة. أما بالنسبة للتعامل مع الصوت، فقد بدأت حياتي الفنية بعد اقتناع بأنني من الممكن أن امضي في هذا المجال. فأهتميت بأن أبحث عن العلم والدراسة، لأن الموهبة لوحدها غير كافية، ولذلك سعيت منذ البداية في مدينة ود مدني، مسقط رأسي، لمعرفة اين وكيف يمكن أن اتعلم الموسيقى، ففي ذلك الوقت لم يكن معهد الموسيقى في الخرطوم قد تم افتتاحه، فلجأت إلى فرقة موسيقى البوليس وتعلمت منهم النوتة الموسيقية، وبعد ذلك استمريت في الدراسة، ولذلك عندما بدأت التلحين توفر لي قدراً من الثقافة الموسيقية، وهذا كان له اثراً كبيراً في الأعمال التي قدمتها…

الفاتح ميرغني: واضح جدا أثر الثقافة الموسيقية والتميز في كل الالحان التي تقدمها. وبمناسبة التلحين، هناك علاقة أسرية ممتدة بين الموسيقار محمد الأمين والاستاذ ابوعركي البخيت، تعاملتم خلالها فنياً، هل لحنت له عملاً من اعماله؟

الموسيقار محمد الأمين: نعم، كان هناك علاقة فعلاً حيث سكنّا مع بعض فترة طويلة. وهو في بداياته يمكن استفاد من فترة وجودي أو وجودنا مع بعض، ولحّنت له عملين أو ثلاثة: اغنية وعد “بوعدك يا ذاتي يا اقرب قريبة”( للشاعر فضل الله محمد)، وأغنية “طريق الماضي”، ويمكن أدخلت بعض اللمسات في جزء من أغنية ” شيل من بالك قول العازل”. ولكن كل هذا كان في البدايات لأنه بعد ذلك شق طريقه لوحده ودرس في معهد الموسيقى الذي تحول إلى كلية.

الفاتح ميرغني: بمناسبة التلحين أو الخاطر الابداعي، فقد عرّفه الموسيقار محمد عبد الوهاب بـ” انتظار مالا يُنتظر”، ومع ذلك نحب أن نعرف كيف يلحّن الموسيقار محمد الأمين؟

الموسيقار محمد الأمين: أنا يمكن اتفق مع الأستاذ الموسيقار محمد عبدالوهاب في هذه المقولة . أولا، في المرحلة الأولى، يجب أن يعجبني النص الشعري، واذا قررت أن الحّنه، تبدأ المرحلة الثانية بأن أحفظه عن ظهر قلب، وأردده ويظل في الخاطر، ولكن بعد ذلك لا ادري متى يأتي اللحن. جائز جدا أن ياتي وأنا أمشي في الشارع، أو في البيت أو السيارة، ثم بعد ذلك من الممكن ان أجلس جلسات ( بمصاحبة العود) لكي أواصل فيما بدأته. لكن البداية الأولى لا أعرف متى تأتي.

الفاتح ميرغني: إذن هو فعلا إنتظار ما لا يُنتظر.

الموسيقار محمد الامين: لذلك قلت لك أنا أتفق مع الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب.

الفاتح ميرغني: جميل جداً ولا زلنا في مسألة التلحين. عندما تبدأ بتلحين أغنية ما، هل تبدأ باختيار الايقاع أولاً، ثم البناء اللحني عليه أم تبدأ بالبناء اللحني ثم يأتي الايقاع بشكل تلقائي؟

الموسيقار محمد الامين: مثلما ذكرت لك من قبل، أنا لا أدري متى يأتي اللحن، ولكن عندما تأتي البداية، فانها غالبا ما تكون مصحوبة بالايقاع، بمعنى أن تركيبة الميلودية الموافقة للكلمات تأتي بالريزم. وبعد ذلك انا أهتم، في البداية، باللحن الميلودي للعمل كله، وقد تتداخل اثناء ذلك اللازمات الموسيقية. اما عن المقدمة والموسيقى بين الكوبليهات، فهذه التفت اليها بعد الانتهاء من اللحن الميلودي، وبالنسبة للازمات الموسيقية التى تتخلل الكوبليه المعين، فهي تأتي مع الميلودي، وربما أعيد فيها النظر، لكن الجوانب الاخرى في العمل، مثل المقدمة الموسيقية، والموسيقى بين المقاطع وبعض اللمسات الاخرى، فكل هذه الأشياء انظر لها بعد الانتهاء من الجانب الميلودي.

الفاتح ميرغني: هل تلحن اعمالك بمصاحبة العود فقط أم بمصاحبة آلة اخري كالبيانو مثلاً، لأن في معظم الحانك تراكيب ميلودية وهارمونية مبهرة، وحتى الكاونتربوينت ياتي طائعاً ومختاراً اليك، وكأنك تستخدم عشرات الآلات في آن، وهذا شيء مدهش. كيف تفعل ذلك؟.

الموسيقار محمد الأمين: كما سبق وأن ذكرت، انا لم ادرس الموسيقى اكاديمياً، ولكنني تثقفت موسيقياً، وبالتالي كان لذلك اثرا في عملية التلحين. انا أعزف على آله العود، واللحن عندما يأتي، فإنه يأتي لوحده وأقوم بتنفيذه على آلة العود. ومن خلال الثقافة الموسيقية، استطيع معرفة التركيبات اللحنية وإختيار السلم الموسيقي والمركّبات والكاونتربوينت، وكل ذلك يتم من خلال آلة العود. والعود ربما لا يعطيك كل امكانيات الآلات الأخرى، لكن المهم في الأمر هو معرفتك بطبيعة الآلات وامكانياتها، وعلم الالات الموسيقية وتوظيفها وهذا موضوع آخر.

الفاتح ميرغني: لديك تقاسيم لاتقل جمالاً وروعة عن تقاسيم فريد الاطرش والقصبجي والسنباطي، مثلا ” إبل الرحيل” هذه تقاسيم مدهشة ومبهرة، وايضاً في أغنية ” من شوفتو طوًلنا” و”سوف ياتي”. ولكن الملاحظ أن كل هذه التقاسيم موجودة في زخم الاغنيات، بمعنى أنك لم تقم بتسجيلها في شريط كاسيت أو سي دي( قُرص مدمج) تحت عنوان: تقاسيم الموسيقار محمد الأمين. لماذا؟

الفاتح ميرغني: صحيح لم يحدث شيء من هذا القبيل. لكن أنا في كثير من الاحيان، في الحفلات المسرحية، اقوم قبل البدء في الغناء بعزف تقاسيم على العود كشيء مستقل، يعني كحاجة قائمة بذاتها ومرتجلة. صحيح لم انتج عملاً خاصاً بالتقاسيم. لكن الفكرة موجودة لعمل شريط تقاسيم بالعود فقط.
( نتمنى ذلك لأن لديك تقاسيما مبهرة ولا ينبغي أن تحرم منها جمهورك ومعجبيك)

الفاتح ميرغني: كانت لديك تجربة مع الراحل بدرالدين عجاج في الغناء بمصاحبة الاورغن، لماذا اتجهت لهذه التجربة ؟

\الموسيقار محمد الامين: هذه قصة طويلة ولكن اتجهت لهذه التجربة لأن في فترة من الفترات كان عندي مشكلة في الموسيقيين، فاتفقت مع احد الزملاء على توحيد الفرقة وأن نتقاسم الموسيقيين في حال أن جاءنا عمل في فترة متزامنة. ولكنه استأثر بالفرقة كلها، واصبحت فترة طويلة أعاني من عدم وجود فرقة موسيقية، وصدف أن جاء الراحل بدر الدين عجاج إلى اتحاد الفنانين وعرض علي الاورغ لشرائه، فطرحت له فكرة العمل سويا ووافق. ولكن التجربة لم تستمر لخلافات بيننا وفضينا الشراكة. ثم بدأت التعامل مرة اخرى مع الفرقة الموسيقية، ولكنني لم استغن عن الأورغ كآلة في الفرقة الموسيقية.