حين اختارك اللَّه

كتب : د/ بهاء الدين ماهر
عندما يختار اللّٰه تعالى عباده ليسيروا على درب هدايته ، فإنَّه سبحانه لا يفعل ذلك لأنهم قد استحقوا هذا الطريق بفضل منهم أو بصالح عملٍ قاموا به ، بل هي نعمة عظيمة ورحمة واسعة يغمرهم اللّٰه عزَّ وجلَّ بها بلطفٍ لا تحده حدود.
هي نفحة إلهية تتنزل على القلوب في غير توقع ، تزيح عنها غبار الذنوب وظلمة الغفلة ، فتضيء لها الطريق بنورٍ من عنده سبحانه.
وفي لحظات من الصفاء الروحي ، قد نجلس مع أنفسنا متأملين ، ونسأل بصدق : لماذا أنا ؟! ، لماذا اختارني اللّٰه دون غيري ؟ ، لماذا أكرمني بهذه الهداية وهذا النور بينما غيري قد يكون أحوج إليه ؟ ، والحقيقة التي لابد أن نستشعرها في هذه اللحظة أن هذه النعمة لا تعني تميزاً خاصاً أو استحقاقاً فردياً ، بل هي محض رحمة من المولى العظيم سبحانه وتعالى ، وإكرام منه يسوقه لمن يشاء من عباده.
إنَّ اللّٰه تعالى بكرمه وعفوه يختار أناساً من بين خلقه ليشملهم برعايته ، لا لحاجة منه إليهم ، ولكن ليقيم عليهم الحجة ، وليظهر فيهم آياته ، وليرتقي بهم إلى مقاماتٍ عالية لم يكونوا ليبلغوها إلا بعونه وفضله ؛ هذه الهداية ليست مجرد علامة فارقة ، وإنما هي بداية لمسيرة طويلة ، تتطلب جهاداً للنفس ، وحرصاً على طاعة اللّٰه ، وإدراكاً لحقيقة أنَّ اللّٰه قد اختارك ليس لأنك الأفضل ، وإنما ليكون فيك نموذج لطريق الهداية ، وليكون قلبك مرآة لنوره.
هكذا هي الهداية هبة من اللّٰه ، لا فضل لنا فيها ، وفضل منه يُسبغ علينا كرمه ، ونور منه يضيء دروبنا.
فعندما نسير في طريق الهداية ، قد نميل للظن أنَّ هذا بفضلٍ منا ، أو أننا أكثر طاعة من غيرنا ، لكن هذه النظرة قد تضعنا على حافة الغرور ، فننسى أنَّ الأمر كله يعود لمشيئة اللّٰه ورحمته.
فاللّٰه إذا أراد قد ينزع عنا هذه النعمة في لحظة ، ويتركنا لضعفنا ، لندرك أنَّ لا قوة لنا إلا به.
فكم من إمريء ضل عن السبيل ، ومع ذلك يحمل في داخله بذور الخير ، وربما قد يأتي يوم يستجيب اللّٰه لدعوة صادقة فيعود إلى طريق الحق.
فالتقوى ليست معياراً لنزدري من ضل ، ولا لنشعر بالتفوق عليهم ؛ بل كلما ازدادت التقوى ، ازدادت رحمة القلب للآخرين ، لأننا ندرك بعمق أنَّ لولا رحمة اللّٰه ، لكنا في مكانهم ، بل وربما أسوأ ؛ إنً رحمة اللّٰه واسعة ، لا تضيق إلا بقلوب من تعجّلوا في الحكم على غيرهم.
فالأجدر بنا أن نكون دعاة للرحمة لا للغرور ، وأن نتعلم كيف نرى أنفسنا بعين المخلصين ، وننظر إلى الآخرين بقلوب مشفقة عطوفة ، لعلَّ ذلك يكون سبباً لتثبيت اللّٰه لنا على طريقه ، ويجعلنا أهلاً لمزيد من نعمه وبركاته ، وفي خطابه لعام 2019 م يقول مولانا الإمام الشيخ محمد الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضي اللّٰه عنه : ( فحين اختارك اللّٰه لطريق هدايته ، ليس لأنك مميز أو لطاعةٍ منك ، بل هي رحمة منه شملتك ، قد ينزعها منك في أي لحظة ، لذلك لا يغتر أحد بعمله ولا بعبادته ، ولا ينظر باستصغار لمن ضلّ عن سبيله ، فلولا رحمة اللّٰه بك لكنت مكانه ؛ قال تعالى : { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } ، فإياك أن تظن أنَّ الثبات على الاستقامة أحد إنجازاتك وإنما توفيق من اللّٰه ، نسأل اللّٰه تعالى لنا ولكم الثبات حتى الممات )..