براغماتية الروس فوق مصالح الرؤوس السودانية

كتبت : أ / صفاء الزين
أمام مشهد كارثي ومأساوي يعصف بالسودان ويغص له السودانيون ألماً، كان المجتمع الدولي ينتظر من القوى الكبرى تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية تجاه ملايين المدنيين الذين يواجهون خطر الموت والنزوح، إلا أن الموقف الروسي في مجلس الأمن، عبر استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار “بريطاني سيراليوني”، كان يهدف إلى حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، أظهر تجاهلًا مؤلمًا لمعاناة الشعب السوداني، وفضَّل المصالح السياسية (الروسية) على تغليب المبادئ الإنسانية.
رفض روسيا للقرار لم يكن مجرد اعتراض عابر، بل كان صفعة للجهود الدولية التي تسعى إلى الحد من الكارثة الإنسانية في السودان، وكرت مساومة للأزمة الروسية الأوكرانية، فبينما يُقتل الأبرياء يوميًا، جاء الموقف الروسي ليعكس تناقضًا واضحًا بين ادعاءاتها كمدافع عن القيم الإنسانية وسيادتها، وبين أفعالها التي تخدم أجنداتها الجيوسياسية، كيف يمكن تبرير استخدام الفيتو في مواجهة أزمة بهذا الحجم، حيث تُزهق الأرواح ويُشرد الملايين، في مشهد يومي يفوق كل مشاهد الألم التي يشهدها العالم في كل حروبه؟
تبرير موسكو لهذا الموقف بدعوى التدخل في الشؤون الداخلية للسودان يثير تساؤلات أخلاقية عميقة، هل حماية المدنيين وتقديم المساعدات تُعتبر تدخلاً غير مقبول؟ أم أن المسألة تتعلق بموازين القوى والنفوذ التي أصبحت تعلو فوق أي اعتبارات إنسانية؟ لقد كان بوسع روسيا أن تبدي مرونة في تعديل القرار بما يتوافق مع تحفظاتها، وقد رفع المجلس جلسة انعقاده لمزيد من التشاور جعل الجزائر المساندة للموقف الروسي تقف مع القرار ، لكن روسيا اختارت تعطيله تمامًا، ما يُظهر تفضيلها لاستمرار الوضع الراهن، مهما كانت التكلفة البشرية، وطالما أنها مستفيدة من هذا الصراع بتحقيق مصالحها أو تعطيل تدخل أي دولة في السودان تحجم التمدد الروسي في أفريقيا.
إن هذه الخطوة لا تسيء فقط للشعب السوداني الذي يحتاج إلى كل دعم ممكن، بل تضعف أيضًا مصداقية مجلس الأمن كمنبر لتحقيق العدالة الدولية، فاستخدام الفيتو في قضايا إنسانية بحتة يبعث برسالة مقلقة مفادها أن المصالح السياسية، مهما كانت ضيقة، يمكن أن تتفوق على الأرواح البريئة التي تُزهق كل يوم، وتوضع الانسانية في مقابلة المصالح في ميزان الأمم.
إن المجتمع الدولي بأسره أمام لحظة فارقة، لأن استمرار مثل هذه السياسات سيؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الدولية، ويعمق الجراح المفتوحة في السودان وغيره من المناطق المنكوبة، وعلى القوى الكبرى، وروسيا في مقدمتها، أن تدرك أن التاريخ سيُحاسبها على قراراتها، وأن الإنسانية ستظل معيارًا أساسيًا لتقييم الأفعال، مهما طال الزمن، وعلى الأمم المتحدة والدول المحبة للسلام المضي نحو المطالبة بإصلاح منظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمنع مثل هذه الكوابح “البراغماتية” من تعطيل الأجندة الإنسانية.