النية والعمل؛ سر القيمة الحقيقية للخير

كتب : د/ بهاءالدين ماهر
بعض الناس يسعى إلى فعل الخير بدافع داخلي ، حيث يتوق إلى نيل السمعة الحسنة والمكانة الرفيعة في أعين الآخرين ، رافقاً بذلك أفعاله بنية الحصول على تقدير اجتماعي أو اعتراف معنوي.
هؤلاء يعتبرون الإقدام على فعل الخير وسيلة للتمظهر والظهور ، سعياً لتحقيق إعجاب الآخرين ، فتضيع نية العمل الطيبة خلف آمالهم في المكاسب الاجتماعية ؛ إنهم يتعاملون مع الأعمال الصالحة كما لو كانت جسراً يعبرون من خلاله إلى عالم التقدير والاحترام ، متجاهلين حقيقة أنَّ العمل الطيب لا يجب أن يكون مشروطاً بنظرات الناس.
وهناك من يفعل المعروف كجزء من عادات وتقاليد اجتماعية ، بلا تفكير عميق في مغزى تلك الأعمال ؛ هؤلاء الأفراد يكررون الأفعال الصالحة بشكل آلي ، يقتصرون على تأدية الواجب دون أن يشعروا بما يرافقه من طاقة إيجابية أو تأثير على حياة الآخرين.
فتراهم كأنهم في سباق مع الزمن ، يحاولون إتمام ما يُتوقع منهم من أعمال ، دون أن يفتحوا عيونهم على القيمة الحقيقية للعمل الصالح وأثره في المجتمع من حولهم.
أما البعض الآخر ، فتراهم يقتصرون في فعل الخير على سعي للترفيه أو إشباع فضولٍ عابر ، دون أن يحمل ذلك عمقاً في النية أو صدقاً في العطاء ، وكأن الخير عندهم مجرد فرصة لاستعراض الذات أو التخفف من وطأة الملل ، معتقدين أنَّ الأعمال الخيرية مجرد وسيلة لتعبئة الفراغ أو تمضية الوقت ، ففي نظرهم لا تتعدى تلك الأفعال كونها لعبة أو وسيلة للتسلية ، وليست طاقة ذات مغزى يمكن أن تغير حياة أو تلمس قلب إنسان ؛ لذلك فإنَّ نواياهم لا تكون نقية بما يكفي ليكتشفوا جوهر العمل الصالح.
وهناك من يظن أنَّ المعروف هو وسيلة للتغيير الاجتماعي أو الشخصي ، فيسعى من خلاله لتغيير نظرة الناس إليه أو لإثبات نفسه في مجاله ؛ هؤلاء لا يرون في العمل الصالح هدفاً بحد ذاته ، بل وسيلة لتحقيق طموحات أو تغييرات ظاهرية ، فلا يهتمون بالنوايا الصافية أو بالفائدة الحقيقية ، بل في كيفية استخدام الأعمال الخيرية كأداة لتحقيق مكاسب شخصية.
لكن ما يغفله هؤلاء جميعاً هو أنَّ المعنى الحقيقي للخير لا يكمن في الكلمة أو في العمل ذاته ، بل في النية الطيبة التي تبتغي وجه اللّٰه تبارك وتعالى ، وفي الشعور العميق بأنَّ الخير هو طريق لتحسين حياة الآخرين وتغيير واقعهم.
فإنَّ العطاء الذي ينبع من القلب ، دون انتظار جزاء أو مديح ، هو الذي يرفع الروح ويحقق الفارق الحقيقي في الحياة ؛ ويقول مولانا الإمام الشيخ محمد الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضي اللّٰه عنه في خطابه عام 2015 م : ( أحبابنا الكرام..
قال الحق سبحانه وتعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
من الناس من يفعل المعروف طمعاً فى السمعة أو جَرْياً وراء العادة أو إمعاناً فى التسلية أو التغيير.
اعلم أخي الكريم أنَّ كل عمل تقوم به يجب أن يكون خالصاً للّٰه سبحانه ، اعمل لتكن بخير من أجل من لا تطيق أن يرى الحزن بين عينيك.
من منطلق الإيمان بالعمل ذاته والتزام الفرد بالعمل المشترك مع الآخرين ، وذلك بدافع من شعور وجداني عميق ينبع من أصل العقيدة ، وهذا الشعور لم يتركه القرآن الكريم ولم تتخلَّ عنه السنة النبوية المطهرة ، بل خُصِّصَ وتجلى فى أسمى معانى [ الأخوة ] فى قوله تعالى { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة } ، وليس المراد بالأخوة رباط النسب ، وإنما أخوة تعلو على كل هذا ، وهي أخوة المتاحبين في اللّٰه ، تلك التي أشار إليها الحبيب المصطفى صلى اللّٰه عليه وسلم بقوله : ﴿ إن من عباد الله عباداً ليسوا بأنبياء، يغبطهم الأنبياء والشهداء ، قيل : من هم لعلنا نحبهم؟ قال : هم قوم تحابوا بنور اللّٰه من غير أرحام ولا أنساب ، وجوههم نور على منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ﴾ ثم قرأ { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }.
ولكي تستمر روح التعاون بين المتآخين وجب عليهم شحذ هممهم بالمحبة والذكر والخدمة حتى لا يقوى على فصم عراها تعصب أفراد أو مجموعات ترغب فب شقاق أو تنازع )..