محمد عثمان الأمين يكتب : تراجيديا الصراع

القوس اونلاين

 

قرى ود الابيض وود المهيدي ومهله وأم القرى أو (القرية أربعين) وغيرها من قرى شرق الجزيرة تمثل لي في ذاكرتي البعيدة أماكن من الريف السوداني الأصيل ينشط اقتصاديًا في الزراعة وقليل من الرعي والتجارة المحدودة .
ترتبط الحياة هناك بالبساطة القروية والزهد الصوفي والالتفاف حول الشيوخ والاعتقاد فيهم، الحياة تسير بهدوء روتيني وسلام مجتمعي يفوق حد التصور وطباع الناس تشبه ارضهم المنبسطة السهول، فالحياة سهلة ولا يعكر صفوها شيء.

ولكن الحرب التي تمددت في غفلة من الزمان إلى تلك القرى الوادعة لم تعكر صفوها فحسب بل قلبت حياة الناس فيها رأسًا على عقب فلم تعد تلك القرى كما كانت تضج بالسماحة والتسامح والإلفة والمحبة بل أصبحت قطعة من الجحيم الذي يحرق الحرث والنسل ويقضي على الأخضر واليابس ويصادر الأمن والأمان .
حيث تدور فيها معارك وجودية لا تبقي ولا تذر فالأرض الخضراء التي كانت تكتسي بشجيرات القطن وسنابل القمح و فلقات الفول السوداني أصبحت تتلون باللون الأحمر القاني من فرط سيلان الدم السوداني العزيز ، كنت أزور كل تلك المناطق في بواكير الصبا حينما نذهب لزيارة الأهل والأحباب ولاتزال صور تلك الوجوه السمراء الجميلة والاجسام النحيلة ذات القيم النبيلة لم تفارق ذاكرتي، ولكنها الآن تبدلت بوجوه قاسية الملامح حطت من أماكن بعيدة لا تعرف إلا ثقافة العنف والإبادة، فتقتل وتسحل وتنهب وتغتصب كأنها حضرت إلى هنا في حملة انتقامية دون غبينة.

إنسان الجزيرة لا يستحق هذا العناء فهو إنسان منتج ظل يرفد الاقتصاد السوداني بالمنتجات الزراعية الغذائية والنقدية وظل يمنح الوجدان السوداني صنوفًا من الإبداع في كافة المجالات فلماذا تكافئه الاقدار بهذا الكم الهائل من العذاب؟ ولماذا يترك وحيدًا أمام عسف الزمن ؟ وإلى متى يدفع اثمان هذه الحرب العبثية اللعينة دون أن يكون له فيها ناقة ولا جمل.
“أوقفوا هذه الحرب العبثية اللعينة”.