ثورة 19 ديسمبر .. قد يخبو النور لكنه لاينطفيء

تقرير / آمنة حسن

 

عندما رفعت ثورة ديسمبر شعارها “حرية.. سلام.. عدالة” لم يكن من فراغ، بل لأن الثوار أدركوا ما يحتاج إليه الشعب وينقص البلاد، وعندما هتفوا “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل” كان ذلك قمة الوعي بخطر الإثنين على الدولة وتحقيق سودان مدني ديمقراطي، وبكل أسف لم تشفع دماء الشباب التي ملأت شوارع الخرطوم وبقية الولايات لوقف المد العسكري، ونشبت نيران الحرب لتفتك بما تبقى منهم وبأهلهم، وبعد مرور أكثر من عام ونصف لايزال القتل والجوع والمرض والتشريد مستمرًا، رغم كل المحاولات لإيقاف هذا الدمار .
وفي ذكرى 19 ديسمبر يبرز سؤال أين تقف الثورة الثوار الآن ، وهل ستنهض من جديد لاستكمال الطريق ؟

الثوريون ضد الحرب
للإجابة على هذا السؤال قال عبدالمنعم ابوالقاسم القاش عضو اللجنة التنظيمية بتنسيقية لجان مقاومة الخرطوم شمال، لمعرفة أين تقف ثورة ديسمبر المجيدة الآن علينا النظر لموقف قوى الثورة وتنظيماتها الفاعلة المختلفة (التنظيمات الشعبية كلجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني والمبادرات و الكيانات السياسية والنقابات ) من الحرب، فكل هذه التنظيمات على إختلافها وخلافاتها اتفقت فيما يلي :
١/ رفضت الحرب (اياً كانت مسبباتها) ونادت بوقفها .
٢/ دعت كلها (جذريون ، تقدميون شعبويون ..الخ ) الى جبهة وطنية مدنية تعمل على وقف الحرب واستعادة مبادرة الإنتقال لدولة مدنية.
٣/ أنشأت وأقامت مبادرات عديدة كلها تسعى لوقف الحرب .
هذه المواقف المتسقة والمتوافقة شكلت رأي عام موحد لدى معظم قوى الثورة وتنظيماتها الجماهيرية وهو أقرب إلى ترجمة واقعية لإستمرارية تمسك الثورة بسلميتها التي هي عمودها الأساسي، والجديد هو تمدد هذا الموقف ليشمل معظم فئات الشعب المتضررة من الحرب والتي باتت ترفضها بشدة ( النازحين واللاجئين والعالقين في مناطق النزاع ) وهي بلا شك أصبحت تعي جيداً وبالتجربة الحية قيمة السلمية والسلام وتنادي بوقف فوري للحرب.
وأضاف القاش في حديثه ل”القوس اونلاين” يمكننا أن نرى عبر كل مراحل هذه الحرب وجود واضح لقوى الثورة على الصعيدين المدني الإجتماعي والسياسي وذلك رغم سعير الحرب وفورانها ويمكن القول بأن كل هذه القوى لم تكل بل سعت بطرق شتى إلى التوصل لنوع من الوحدة الوطنية يمكن أن يلم شعث الشعب الذي وصلت معاناته قمتها التي فاقت كل إحتمال وتصور .
من كل هذا الذي سبق يبدو أن الثورة تكسب ومواقفها السلمية تزدهر وسط المواطنين بل تزداد صفتها شعبية مزيحة صفة النخبوية للخلف.
لقد نجحت هذه القوى الثورية المختلفة في صناعة مشهد حقيقي يمهد لوحدة وطنية قوية تعمل لوقف الحرب فإذا ما تم الأمر فلا شك أن ذلك سيمثل نهضتها ويؤدي حتماً لإنتصارها .

ترصد للجان المقاومة والطواريء
وفيما يتعلق بأن الحرب سعت لوأد الثورة قال القاش، لا شك أن في هذا الرأي الكثير من الصحة نسبة لما تخلل الحرب من ترصد طرفيها لكثير من أفراد لجان المقاومة ولجان الطواريء ولجان الاحياء والتكايا ومجموعات ومبادرات العون الإنساني والطبي الشعبي وما يتعرضون له من إنتهاكات وإعتقالات وتعذيب واتهامات مختلقة وملفقة بالتعاون مع أحد طرفي الحرب بل وصل الأمر لحد التصفيات الفورية في بعض المناطق.
هذا كله حدث ويحدث على الرغم من أن هذه الحرب بدأت كصراع على السلطة بين مكونات أساسية للنظام البائد ولأسباب داخلية فيه بعد عودته بإنقلاب ٢٥ أكتوبر الذي فشل في طرح نفسه كحركة تصحيح لمسار الثورة معتمداً على ما كان من شراكة ضعيفة بين المدنيين والعسكريين فالكل كان يعرف أن تلك الشراكة لم تكن أبداً تمثيلاً حقيقاً لقوى ديسمبر الشعبية ولهذا انتفضت الأخيرة ضده وسقط الانقلاب ومقترحه التصحيحي وتنازعت قواه السلطة فيما عُرف بعد ذلك بحرب ١٥ أبريل المستمرة إلى يومنا هذا.
بناءاً على كل ما سبق يبدو أن إنتصار الثورة مسألة وقت ليس إلا فقوى الثورة وتنظيماتها الجماهيرية نجحت إلى حد كبير في أن تقوم بحماية نفسها بكل ما يتطلبه ذلك من حنكة و بُعد نظر وعبر تنظيم قواها بطرق جديدة مبتكرة تتلأم وإتساع حجم الاستهداف ووتيرته بسبب الحرب والظروف المحيطة السيئة التي تمر بها البلاد .

عبدالمنعم القاش

 

مؤمرات ضد الثورة
وقال عضو الهيئة المركزية للحزب الشيوعي كمال كرار، أنه بالرغم من المؤامرات الكثيرة التي تعرضت لها ثورة ديسمبر وآخرها هذه الحرب اللعينة، فالثورة باقية ومستمرة والعقل الجمعي الثوري والإصرار على انتصار الثورة هو صمام الأمان الذي تكسرت عليه كل محاولات أعداء الثورة للنيل منها.
وبرغم ويلات الحرب فقوى الثورة تصدت لواجباتها الانسانية، جنبًا إلى جنب مع مهامها الثورية فهي موجودة وحاضرة في لجان الطواريء ودور الايواء والتكايا ومعالجة المرضى وتوفير مقومات الحياة في مناطق الحرب، وهي تواصل عملها الثوري لتتوحد في جبهة عريضة مناهضة للحرب وعازمة على استرداد ثورتها .
ويومًا بعد يوم تتكشف أهداف هذه الحرب وأجندتها الخبيثة، فتتوسع القاعدة الثورية التي هدفها وقف الحرب والحفاظ على السودان وطنًا وشعبًا موحدًا .
إن شعارات الثورة الحرية والسلام والعدالة أصبحت البوصلة والهدف الذي لا يمكن لأي قوة أن تهزمه . وبالتالي فالثورة وطوال هذه السنوات ظلت مستمرة وتتقدم بثبات نحو النصر، وقوة الدفع الثوري هزمت مرامي وأجندة انقلاب البرهان وستهزم أجندة الحرب.

كمال كرار

 

بداية لعهد جديد
وقال المصباح أحمد رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي ل”القوس اونلاين” من المؤكد ان الحرب الحالية تستهدف بصورة أساسية تصفية الثورة وقواها الحية لأنه حاليًا لايوجد في السودان شرعية غير شرعية ثورة ديسمبر التي تم الانقلاب عليها في ٢٥ أكتوبر من الطرفين المتحاربين .
وبالنظر لتطورات الحرب فهي أكدت الفشل في تحقيق مكاسب لأي من أطرافها بل على العكس تمامًا حققت عكس مقاصدها ولن تستطيع أن تزيح المد الثوري الذي أنتج ثورة ديسمبر المجيدة ولن يكون هناك مخرج من الأزمة الراهنه إلا بالعودة لتطبيق مباديء الثورة عبر الحكم المدني الديمقراطي.
كما أن الحرب أثبتت الحاجة لمؤسسة عسكرية وطنية مهنية موحدة ملتزمة بحماية الدستور والوطن بعيد عن التدخلات السياسية والاستغلال من أجل الوصول للسلطة، وإنهاء كافة المظاهر العسكرية الموازية والمليشيات العسكرية الأخرى ذات الطابع السياسي والجهوي والمناطقي لصالح جيش قومي موحد .
وأكد المصباح أنه على مر التاريخ السوداني كانت المؤسسة العسكرية هي المقوض لتطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة والتحول المدني الديمقراطي وهي المطية التي يصل من خلالها المستبدين لكراسي السلطة ولذلك يجب أن يعالج هذا الخلل المنهجي في بنية المؤسسة ومنهجها وعقيدتها.
ومن المؤكد أن الحرب الحالية ستكون علامة فارقة في مسار الدولة السودانية ونهايتها ستكون بداية لعهد جديد يؤسس على مباديء ثورة ديسمبر المجيدة، ومهما كابر دعاة الحرب وأطرافها وشركائهم وداعميهم فإن ما ارتكبته هذه الحرب من فظاعات وجرائم وانتهاكات قد اقنع الشعب السوداني تمامًا بفشل الأطراف المتقاتلة وأكدت نزوعهم لتحقيق غاياتهم الذاتية على حساب الشعب السوداني، ولذلك فإن الثورة باقية ومنتصرة ولو بعد حين ولنا في سوريا مثال على فشل نظم القمع والإستبداد وانتصار الإرادة الوطنية الحرة.

المصباح أحمد

الضامن لوحدة السودان
وقال الناشط السياسي محمد الأمين ل”القوس اونلاين” أعتقد أنها المرة الأولى في تاريخ السودان التي تقوم فيه حرب خصيصًا لوأد ثورة شعبية وهذا يؤكد قوة ثورة ديسمبر المجيدة والمد الشعبي العظيم الذي كان يؤيد هذه الثورة.
ثانيًا بعد تجربة الحرب المأساوية وماحدث فيها من خراب ودمار وتشريد وانتهاكات وفظائع طالت المدنيين أصبحت عملية أحياء الثورة ضرورة ملحة لإصلاح ما خربته الحرب .
ثالثًا تماسك القوى المدنية (خاصة تقدم) ونبذها للحرب وقتالها الآن من أجل إيقاف الحرب يثبت أن الثورة لم تمت أبدًا وأنها باقية في النفوس وستعود إلى توهجها بعد توقف الحرب.
أخيرًا أرى أن الثورة وقواها الحية هي الضامن الوحيد لوحدة السودان واستقراره في المستقبل وأعتقد أن المجتمع الدولي لايزال يدعم ويساند القوى المدنية وهذا فال حسن للعودة من جديد.

محمد الأمين

 

سيعود لها بريقها
وقال المحلل السياسي عثمان الهجا ل”القوس اونلاين” تظل ثورة ديسمبر واحده من أعظم الثورات في تاريخ السودان الحديث، ويمكن القول بأنها ذات طابع متفرد ويمكن إعادتها إلى بريقها حالما تنتهي هذه الحرب ، ولكن أعتقد بأنها ستظل موجوده وإن لم يتحقق الحلم والشعار بأن العسكر للثكنات والحُكم مدني ، والحريه والسلام والعداله ستظل مستمره رغم المعوقات، لذلك في تقديري سيعود إليها بريقها إذا انتهت هذه الحرب من دون مشروع يحقق متطلباتها ، وإذا تحقق الشعار بمشروع الجيش الواحد والحكم المدني الديمقراطي والحريه والسلام الذي يستوعب القائدان الحلو وعبدالواحد ، هذا يُعد انتصار لها ويمكن أن تبدأ مرحلة البناء لوطن معافى حر وديمقراطي ، وطن يسع الجميع تكون فيه المواطنه على أساس الحقوق والواجبات .

عثمان الهجا

مربع جديد
وقال الناشط السياسي الشبلي محمد يوسف ل”القوس اونلاين” إذا كان السؤال هل ستعود ثورة ديسمبر المجيدة؟ فأنا اقول حسب المستجدات الواقعة الآن أننا قد انتقلنا إلى مربع جديد وهو مربع الحرب، الآن الشعب يبحث عن أمن استقرار سلام.. يحتاج لجيش قوي يوفر له الحماية والأمان، الشعب الان لايبحث عن ديمقراطية، وما فعله الدعم السريع في هذه الحرب قد يتكرر بعد عام أو إثنين إذا لم يكن لدينا جيش قوي قومي.
وعلى الرغم من ضعف احزابنا السياسية وهشاشتها وافتقارها للديمقراطية والرأي الاخر ، إلا أن الثورة باقية ما ظل الإنسان يؤمن بالحرية والرأي الآخر والديمقراطية والسلام والتنمية المستدامة، وسيسعى لتحقيقها .

الشبلي محمد يوسف